المرأة كانت دائما المثال للمودّة والرّحمة والعاطفة الجياشة ، ومثالا للحياء والعفّة ، ومعروف أنّ عاطفتها تسبق كل مشاعرها
المختلطة الأخرى وهذا ما نراه في قصة الصحابية خولة بنت ثعلبة المتحكّمة بغضبها التي لم تنجر وراء لحظة غضب فتجعلها تكون سبب في تفريق وتشتيت بيتها ، وطلبها العون والحل في تحريم زوجها لها في لحظة غضب وقوله لها ( أنت علي كظهر أمي ) وكانت عبارة في الجاهليّة تحرّم الزّوجة عن زوجها .
قصة خلاف الصحابيّة خولة بنت ثعلبة مع زوجها :
كانت الصحابيّة خولة بنت ثعلبة عالية النسب أبوها ثعلبة بن عسر بن فهد بن ثعلبة بن غنم بن عوف سادة البلاغة والجمال.
أسلمت الصحابيّة وزوجها أوس بن الصامت وقد شارك مع النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم في العديد من الغزوات ، وكانت هي أوّل زوجة
في الإسلام يظهر لها زوجها فقد كانت هذه عادة من الجاهليّة وتم تعديل حكمها الشرعي في الإسلام بعد قصة خولة بنت ثعلبة.
والظهار هو أن يقول الزوج لزوجته ( أنت عليّ كظهر أمي ) فيدعها معلقة دون أن يطلّقها ، وقد بقي الأمر على هذا الحال حتّى
جادلت خولة بنت ثعلبة الرّسول صلى الله عليه وسلّم في هذا الأمر ، وشاء الله أن ينزل هذا الحكم الشرعي فيها هذه الصحابيّة الصابرة
المحتسبة حيث كانت ترجو الله وتدعوه وتنتظر من الله الفرج .
ذهبت خولة إلى النّبي صلّى الله عليه وسلّم تشكو ما لقته من زوجها أوس بن الصامت وقد كان شيخا سيء الطباع وكان أيضا يسيء
معاملتها ، فشكته إلى رسول الله عليه الصّلاة والسّلام وروت قصتها له وما خرج من فم زوجها من لفظ يحرّمها عليه وذلك بعد
نقاش دار بينهما في أمور الحياة وقد تمسّك كل برأيه و احتدى الشجار بينهما حتّى بدر من زوجها ما بدر .
لم تقبل الصحابيّة الفضيلة هذا الحلف ولم تمرره وأبت إلّا أن تناقش فيه رسول الله عليه الصّلاة والسّلام راجية متأملة من الله سبحانه
عزّوجل أن ينزل وحيا في أمرها ، كانت تدرك أنّها كبرت في السّن ولها أولاد لا تستطيع تركهم له ولا تستطيع إبقاءهم معها خشية
أن يجوعوا و يعروا ، فواساها النّبي صلى الله عليه وسلّم ولكنّه قال لها :" ما أراك إلّا وقد حرّمت عليه" .
ظلّت خولة تراجع النّبي عليه الصلاة والسلام وتدعو الله تعالى أن يفّرج عنها ما شقّ عليها تحمّله وما برحت حتّى نزل فيها من الوحي
الكريم والفرج من عند العالي الرّحيم ، فقرأ عليها الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ما نزل فيها من سورة المجادلة :
قَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوۡجِهَا وَتَشۡتَكِيٓ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسۡمَعُ تَحَاوُرَكُمَآۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ ٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَٰتِهِمۡۖ إِنۡ أُمَّهَٰتُهُمۡ إِلَّا ٱلَّٰٓـِٔي وَلَدۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَيَقُولُونَ مُنكَرٗا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ وَٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمۡ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحۡرِيرُ رَقَبَةٖ مِّن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۚ ذَٰلِكُمۡ تُوعَظُونَ بِهِۦۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ شَهۡرَيۡنِ مُتَتَابِعَيۡنِ مِن قَبۡلِ أَن يَتَمَآسَّاۖ فَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ فَإِطۡعَامُ سِتِّينَ مِسۡكِينٗاۚ ذَٰلِكَ لِتُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ وَتِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۗ وَلِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ
الصحابيّة خولة بنت ثعلبة مثال للزّوجة الرّحيمة :
بعد أن نزلت تلك الآيات الّتي كان فيها حلّا للمسألة الّتي فتكت ببيت الصحابيّة ، حيث كان فيها تسهيل وتيسيير من الله عزوجل
فقد كانت تتدرّج الحلول من عتق رقبة إلى صيام شهرين إلى إطعام ستين مسكينا على حسب قدرة الزوج ، هنا تظهر رحمة هذه
الزّوجة العظيمة حيث رأت أنّ زوجها غير قادر على هذه الأمور فطلبت مساعدته في إطعام الستين مسكينا .
عندما أخبرها النّبي صلّى الله عليه وسلّم أن تطلب من زوجها أن يعتق رقبة فقالت له أنّه رجل فقير ولا يملك من المال ما يستطيع به
عتق الرقبة ، فأخبرها أن تطلب منه صيام شهرين فقالت له إنّه شيخ كبير ولا يستطيع ذلك ، فأخبرها أن تطلب منه أن يطعم ستين
مسكينا فكذلك امتنعت وقالت أنّه ما يملك ذلك أيضا ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : إنا سنعينك بعزق من تمر
قالت : يا رسول الله وأنا سأعينه بعزق من تمر.
المرأة حلقة قويّة في الأسرة :
تظهر لنا قصة خولة بنت ثعلبة قوة المرأة وقدرتها على بناء الأسرة وفي المقابل قدرتها على تحطيمها وهدمها وتفكيك روابطها
كانت هذه الصحابية مثال حي على الصبر والتوسط والإعتناء بأسرتها وعائلتها ورفضها تفككها ، وأبدت أن تنكر زوجها وأنّ لها
منه أولاد يحتاجونهم هم الإثنين لتستقيم حياتهم وتسير أمورهم .
في النّهاية من يفعل الخير دائما يُردُّ له بأضعافه ويبارك له الله في حياته وفي رزقه ، ناهيك عن السّلام الداخلي والرّاحة والسكينة
التّي يشعر بها المرء لحفاظه على أمور حياته متوازنة وتقديم كل المحبّة والمساعدة لمن يحب .
شاركونا ما في خواطركم من آراء حول الموضوع في التعليقات .. وتابعونا على مواقع التواصل الإجتماعي ، دمتم بود أصدقائي.

0 تعليقات
يسرنا أن تعلق برأيك وما هو إنطباعك حول الموضوع.